حسين منصور – البقاع
في شوارع مخيم الجليل وعلى أطراف مدينة بعلبك، يعلو صوت محركات التوك توك كإيقاع يومي يرافق الأهالي في تنقّلاتهم بين البيوت والمدارس وأماكن العمل. ورغم بساطتها، أصبحت هذه المركبة خط نقل موازٍ للتاكسي، بعدما دفعت الظروف الاقتصادية الناس إلى البحث عن وسيلة أقل تكلفة وتستهلك وقودًا أقل.
على مداخل المخيم، تصطف التوك توك بانتظار الركاب، فيما تتنقل بسهولة بين الأزقة الضيقة التي تعجز عنها السيارات. ومع انتشارها، بات الطلاب والموظفون وربّات المنازل يعتمدون عليها في تحركاتهم اليومية، في حين وجد كثير من السائقين فيها مصدر رزق يكافحون للحفاظ عليه رغم التحديات.
رزقٌ فرضته الظروف
بلال كساب يروي كيف قادته الظروف الصحية إلى هذا العمل: “منذ ثلاث سنوات وأنا أقود التوك توك بعدما منعتني مشاكلي الصحية من متابعة عملي كحداد. لم يكن أمامي خيار آخر. هذه المركبة تؤمّن قوت يومي لي ولعائلتي، رغم أنها غير مريحة ولا مجهزة للطقس البارد.”
يتحدث بلال عن معاناة مضاعفة في الشتاء: “التوك توك بلا أبواب ولا تدفئة، ومع تساقط الثلوج يصبح السير مستحيلاً فنمكث في منازلنا.”
ويشير إلى تحدٍّ آخر لا يقل خطورة: “الحملات الأمنية المتكررة تقلقنا دائمًا، فلا إطار قانوني يحمي عملنا.”

عمل يومي تحت الضغط
أما سامر عطور، أحد السائقين العاملين بين المخيم وبعلبك، فيقول: “أغلب زبائننا طلاب وموظفون. التوك توك اليوم هو وسيلة الناس العملية والأسرع في ظل الازدحام.”
ويصف واقعًا معيشياً صعبًا: “نعمل يومًا بيوم. لجأت إلى التوك توك بسبب انخفاض تكلفته مقارنة بالسيارات، وسهولة صيانته، وقدرته على تجاوز الازدحام.”
لكنّ معاناتهم لا تتوقف عند الطقس: “خلال تساقط الثلوج نتوقف عن العمل لأيام، والحملات الأمنية تضعنا تحت ضغط دائم.”
عائلة كبيرة وتحديات أكبر
محمد كساب، وهو أب لخمسة أطفال، وجد في التوك توك الحل الوحيد المتاح: “اشتريت التوك توك لأنه أقل تكلفة من التاكسي، ومن خلاله أؤمّن الحد الأدنى من المعيشة. لكن الشتاء مرهق جدًا، فالمركبة غير مجهزة للبرد والمطر.”
يشدد محمد على أن كثيرًا من السائقين يعملون بهذه الوسيلة اضطرارًا لا خيارًا.

يؤكد عدد من أهالي المخيم أن التوك توك أصبح خيارهم الأكثر عملية في ظل الازدحام وارتفاع كلفة النقل. فهم يرونه وسيلة أسرع وأخف حركة داخل شوارع المخيم الضيقة، خصوصًا في أوقات الذروة.
كما يشير الراكبون إلى أن كلفته المنخفضة مقارنة بسيارات التاكسي جعلته الخيار الأول للطلاب والموظفين، وللعائلات التي تعتمد عليه يوميًا للذهاب إلى المدارس والأعمال وشراء الحاجيات. وبالنسبة لهم، وفّر التوك توك حلًا مناسبًا يجمع بين السرعة وسهولة الوصول وانخفاض التكلفة، ما جعله جزءًا أساسيًا من حركة النقل داخل المخيم ومحيطه.
شتاء قاسٍ وقانون غائب
رغم انتشار التوك توك في شوارع المخيم وبعلبك، يبقى عمله خارج إطار تنظيمي واضح. الحملات الأمنية المتكررة على الدراجات النارية والتوك توك تشكّل مصدر تهديد للسائقين الذين يفتقدون إلى أي غطاء قانوني.
ومع حلول الشتاء، تتضاعف الصعوبات: مركبات بلا أبواب، لا تدفئة، سير صعب في المطر والثلج، وتوقف كامل عن العمل خلال العواصف. وبين غياب التنظيم وقسوة الطقس، يجد السائقون أنفسهم أمام تحدٍّ يومي للاستمرار.
في مخيم الجليل وبعلبك، لم يعد التوك توك مجرد مركبة بثلاث عجلات، بل أصبح حكاية مجتمع كامل يبحث عن بدائل تساعده على مواجهة أزمات النقل والمعيشة. وسيلة بسيطة، لكنها تحمل قصص كفاح يومي، ومعاناة تتكرر كل شتاء، وأملًا بأن يأتي يوم يُنظّم فيه عملها ليحظى من يعتمدون عليها بحدٍّ أدنى من الحماية.
