حسين منصور – البقاع
تحت سماءٍ مثقلة بالغيوم، وفي ظل انخفاضٍ حاد في درجات الحرارة، احتشد العشرات من أهالي مخيم الجليل والنازحين الفلسطينيين القادمين من سوريا أمام مكتب الشؤون، لا يحملون سوى أصواتهم ووجعهم اليومي.
لم يكن الاعتصام مجرّد وقفة احتجاجية، بل صرخة جماعية في وجه سياسات تقليصية عمّقت معاناة اللاجئين، وحرمت مئات العائلات من المساعدات الشتوية، وقطعت عن شبكة العسر الشديد دعمًا بات جزءًا من أساسيات البقاء.
الأجساد التي لفّها البرد، والوجوه التي أنهكها القلق، عكست واقعًا قاسيًا تعيشه العائلات مع كل ليلة شتاء، حيث يتحوّل البحث عن الدفء إلى معركة يومية في ظل غياب العمل وارتفاع كلفة التدفئة، وتراجع دور الجهة المفترض أن تكون خط الدفاع الأول عن اللاجئ الفلسطيني.
كرامة اللاجئ ليست بندًا قابلاً للتقليص
في كلمةٍ باسم المعتصمين، أكّد الشيخ صبحي صباح أن سياسة التقليصات التي تنتهجها وكالة الأونروا تشكّل مساسًا مباشرًا بكرامة اللاجئ الفلسطيني، وتهديدًا حقيقيًا لمقومات صموده داخل المخيمات.

وشدد على أن المساعدات الشتوية يجب أن تشمل جميع العائلات دون استثناء، معتبرًا أن ما أُعلن عنه من مساعدات مخصصة لمنطقة البقاع “غير كافٍ إطلاقًا”، ولا يلامس حجم الحاجة الفعلية في ظل البرد القارس.
ودعا صباح إلى تأمين مادة المازوت بشكل عاجل، محذرًا من أن الاستمرار في هذه السياسات لن يؤدي إلا إلى تعميق الغضب الشعبي ورفع منسوب الاحتقان داخل المخيمات، حيث لم يعد الصمت خيارًا أمام هذا الواقع المعيشي الخانق.
حقوق أساسية لا مِنّة
على هامش الاعتصام، قال علاء منصور، ممثل المنظمات الشبابية في البقاع، إن المشاركة الواسعة تعكس حالة الغضب المتراكمة لدى اللاجئين، مؤكدًا أن الاعتصام جاء رفضًا لتقليصات الأونروا والمطالبة بتأمين مادة المازوت لجميع أهالي البقاع دون استثناء.
وأضاف أن الوكالة تبرر إجراءاتها بتقليص الميزانيات، في وقت تنفذ فيه مشاريع لا تمسّ جوهر الاحتياجات المعيشية، مطالبًا بإعادة النظر في برنامج العسر الشديد وتأمين جميع المساعدات المستحقة للاجئين.
صرخات ومطالبات
من جهته، أشار الناشط الشبابي سامر عيسى إلى أن إعلان الأونروا عن تقديم مساعدة مالية بدل المازوت لم يشمل جميع العائلات، واستثنى شريحة واسعة من النازحين الفلسطينيين من سوريا.
وأكد أن قيمة المساعدة لا تؤمّن الحد الأدنى من التدفئة، معتبرًا أن ما يجري هو تمييز واضح في آلية التوزيع.
وشدد عيسى على أن هذا الاعتصام ليس نهاية التحركات، بل بداية لمسار احتجاجي متصاعد حتى انتزاع الحقوق كاملة.

بردٌ بلا عمل
أما أبو عمر، وهو نازح فلسطيني من سوريا، فقد نقل صورة موجعة عن واقع العائلات النازحة، مشيرًا إلى غياب فرص العمل واشتداد البرد، ما يجعل الحياة اليومية أكثر قسوة.
وقال إن الأونروا لا تنظر بجدية لمعاناة القادمين من سوريا، رغم أنهم من أكثر الفئات هشاشة، ويواجهون فصل الشتاء بلا أدوات حماية أو دعم كافٍ.
نداء أخير..الدفء حق
بدوره، وجّه محمد بدران نداءً عاجلًا لتأمين مادة المازوت ووسائل التدفئة، مطالبًا بوقف التفرقة في توزيع المساعدات الشتوية.
وأكد أن المخيم يعيش ظروفًا مناخية قاسية، وأن التدفئة لم تعد رفاهية، بل ضرورة إنسانية ملحّة لحماية الأطفال وكبار السن والعائلات الأكثر فقرًا.

بين قسوة الشتاء وضيق الحال، يواصل اللاجئون في مخيم الجليل رفع صوتهم دفاعًا عن حقهم في العيش بكرامة. فالمطالبة بالدفء ليست مطلبًا سياسيًا، بل صرخة إنسانية في وجه سياسات تقليصية تُضاعف الألم، وتترك العائلات وحيدة في مواجهة ليلٍ باردٍ طويل.